حملة معاك

تجربتي مع كورونا (3 ).. الأخيرة : بين الهلاك والنجاة

“ممنوع الاقتراب”
وكأنها كُتبت بالفعل وعُلقت على باب الغرفة من الخارج ، هذه الغرفة ممنوع الاقتراب منها ، !!!
مرت الليلة الأولى بدون نوم تقريبا ، أرقآ وقلقا في الروح وخوفا ورعبا في الجسد من مصير محتوم قادم لا محالة .
استيقظت على هاتفي ، وجدتها زوجتي تخبرني بأن أمام غرفتي طعاما مغلفا بِداخله أطباقا وملاعق بلاستيكية، وعلبة كبيره مُغلقة ، لما فتحتها وجدت بها مجموعة من الكمامات الطبية وكمية كبيرة من المنظفات لتطهير الغرفة أولا بأول ، وزجاجة كحول تركيزها 70 % ، وبعضا من ملابسي التي سأحتاجها في أيام العزل ، وبجوارهما أكياس كبيره فارغة .
كان علي أن أضع كل الأطباق والعبوات الفارغة بداخل كيس كبير من الأكياس الفارغة وتطهيره بالكحول من كل جانب قبل وبعد تَركه أمام الغرفة .
مثل سجين إنفرادي كنت أُعاني ، تملكني الإحباط بقوة فبطبيعتي لا أحُب العزلة ولا أفُضل التواجد بالمنزل كثيرا ، فكيف أمكث أسبوعين محبوسا في زنزانتي هذه ؟
وجدت شيئا هاما بجوار ما جاءني ، كانت رسالة كتبتها لي زوجتي نصها كالتالي :
” لن ألومك عن تحذيراتنا الفائتة ، فاللوم أصبح بلا فائدة الآن ، كل ما أتمنى أن تفعله هو أن تُراعي نفسك جيدا ، تذكر دائما أن بناتك في حاجة إليك”
كانت هذه الرسالة طريقي إلى النجاة فيما بعد حيث وضعتها أمامي كحافز وأمل للعودة .
سريعا لم يُمهلني الفيروس الوقت فبدأ في ضربه المُبرح بجسدي .
أولى الضربات ظهرت هذا اليوم حين ضربني صداع شديد لم أشعُر به من قبل ، لا وصف له ولا تعريف ، لن يتخيل أحدا حجم الفتك برأسي ، صُداع شديد للغاية تبعهُ حُمى شديدة ….
” الصداع كان شرسا ” …
لم تكن المسكنات كافية لعلاج هذا الصُداع ، ولكنه مر بصعوبته وكأنه كان اختبارا مبدئيا ، أما الحُمى فلم تُفارقني ، زاد عليها بعد يومين تقريبا أعراضا أشد وهي ألما قاسيا بالمعدة …..
استمرت هذه الأعراض الخمسة أيام الأولى ، قبل أن ينقلب الوضع رأسا على عقِب ،،،
كنت أعتقد خطئا أن الفيروس قد قٌتل بعد هٌدنة قليلة شعرت فيها بقليل من الراحة ، لم أعلم أنه يستهين باستهانتي الأولى وينتقل بي إلى أخطر مراحله …
بدأ اليوم السادس بالسُعال الحاد ، تدرج ببطء حتى اشتد ، مُنذرا بِتحور قادم ،
للأسف كنت أُدخن ، علمت فيما بعد أن التدخين السبب الرئيسي في الوصول إلى هذه المرحلة الأكثر خطورة ،
الذي حدث حرفيا كان أشبه بسكرات الموت ، فالحمى زادت شِدتها مع كثرة السعال ، لم يُخفف الدواء شيئا من عاصفة السعال المتواصل ، سمعت من وراء السد – باب غرفتي – دعوات و بكاء ، كنت تقريبا بالعالم الآخر ، التنفس يضيق أكثر ، ذهبتٌ بالفعل إلى العالم الآخر وقتا لا أعرف إلى الآن كم استغرق ،
ولما أفقتُ من إغمائي وجدت أمامي رجل مٌكفن من رأسه إلى قدميه ، كان “طبيب” جاء ليُساعدني في العودة إلى الحياة ،علمِتُ فيما بعد أن أسرتي هاتفت طوارئ وزارة الصحة واستغاثت لما تنبهوا جميعا أن صوتي وسُعالي توقف فجأة وأنهم حاولوا المناداة ولم يجدوا إجابة ، فكيف أُجيب ولم أكن معهم بالحياة ، وعلمت أيضا أن زوجتي قد جازفت بِنفسها بعدما صممت على الدخول فوجدتني ملقيا ومغشيا علي وبدون حِراك ،فهاتفت سريعا استغاثة وزارة الصحة وقيل لي أنهم جاءوا في دقائق معدودة ، وكادوا ينقلونني معهم إلى الحجر الصحي ووضعي على جهاز للتنفس أو شراء جهاز للتنفس للمنزل وأستمر في عزلي بالمنزل على أن تقوم إحدى الممرضات بمتابعتي ، وبالفعل حدث ذلك ، واستمر الوضع يتجه نحو النجاة والشفاء ، وإن كان ببطء التحسُن ولكنه كان بابا من الأمل والتمسك بالحياة …
بدأتٌ أتنفس بشكل طبيعي إلى حد كبير بداية من اليوم العاشر ، واستكملت الأيام الباقية في عزلي ولم أخرج منها حتى اطمأننت أن الضيف القاتل قد ذهب إلى حيث أتي ….
كانت أياما وليالي صعبة وفاصلة قاسيتُها وحدي فلم ينفعني أحدا من البشر في وقت كُنت أغرق فيه وحدي ، فكيف ينفعونني وهم الآخرون غرقى رعبا من واقع مرير قريب منهم ..
أما عن خروجي من غرفة العزل فهي لحظة واقعية صعب وصفها ، حين وجدت أمي وزوجتي وبناتي ينتظرونني ، كان اشتياقي إليهم أقوى من الجائحة ،،
كنت أحملُ مشاعرٌ متناقضة ، لم أفكر في الجانب السلبي للتجربة بقدر ما كنت أستهدف الجانب الإيجابي الذي صارت نتائجه بالنسبة لي أسلوب حياة….
وانتهت رحلة قاسية مع فيروس كورونا وكنت قد وصفتها “جسرا” أو “معبرا” مررتُ مِنه من عالم اللامبالاة والإهمال إلى عالم آخر من الجدية والالتزام ،،
تعلمتُ دروسا وعبرا أهمُها أن الحياة مسئولية كبيرة ، وأن الصحة نعمة عظيمة سنُحاسب عليها ، وأن الإنسان عليه أن يأخُذ بالأسباب وأن عليه مراعاة النفس التي خُلقت لهدف عظيم وأسمى من التجربة والإهمال ……
زملائي قارئي التجربة كانت معاناتي حقيقة مؤلمة لابد من تسجيلها لكي نأخذ حذرنا وليعلم من يستهين ولا يتخذ من الإجراءات الاحترازية سبيلا أن الذي يحدثكم الآن كان بينه وبين الهلاك دقائق لولا فضل الله سبحانه وتعالى في نجاته………..

” أحداث القصة واقعية وإن زاد منها شيئآ أو نقُص فعذرآ لكم ، كل ماعليكم مراجعة خيال كاتِبها ”

#معاك .. حملة بتروتريد التوعوية للحد من انتشار فيروس كورونا

حملة معاك
حملة معاك
تابعنا على جوجل

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى